“أعز الولد ولد الولد” قول مأثور يبين مدى المحبة التي يحملها الأجداد للأحفاد.. لكن جدة الطفلة جنة محمد، شذَّت عن تلك القاعدة، لتقسى بقلب من حديد على صغيرتها، وتحفر على جسدها آثار التعذيب، التي حتى وإن تمكن الطب من إزالتها فلن تستطيع أن تمحيها الطفلة من ذاكرتها.
“جنة محمد”.. طفلة لا يتعدى عمرها الـ5 أعوام، أرغمها القدر بعد أن تخلى عنها والداها أن تعيش مع جدتها وجدها، لتواجه مصيرًا أسود، وتلقى تعذيبًا وحرقًا، أدى لدخولها مستشفى المنصورة العام الجديد في حالة خطر، ولم يمض يومان حتى فارقت الحياة في الساعات الأولى من صباح اليوم، عقب بتر ساقها.
مديرية أمن الدقهلية تتلقى بلاغا بالطفلة المصابة
بداية القصة تعود إلى البلاغ الذي تلقاه اللواء فاضل عمار مدير أمن الدقهلية، من العميد سامي الحديدي، مأمور مركز شربين ببلاغ مستشفى شربين المركزي بوصول الطفلة ومقيمة طرف جدتها للأم بقرية “بساط كريم الدين”، مصابة بكدمات متفرقة بالجسم، وبها آثار حروق بمنطقة الحوض حول الأعضاء التناسلية الخارجية، وتورم بالطرف السفلي الأيسر، وآثار حروق بالظهر وبمناطق متفرقة من الجسم وتم تحويلها إلى مستشفى المنصورة العام الجديد “الدولي” لاستكمال العلاج.
جد الطفلة: جنة تعرضت للتعذيب بسبب التبول اللا إرادي
توجه رئيس مباحث مركز شربين، إلى مقر إقامة الطفلة، حيث تقطن مع جدتها وجدها، الذي اتهم فيه جدتها التي تدعى “صفاء” بالتعدي عليها بالضرب وحرق أجزاء من جسدها، بحجة تبولها لا إراديًا.
بتر ساق الطفلة “جنة” ضحية تعذيب الجدة في الدقهلية
وأجرى أطباء مستشفى المنصورة الدولي، أمس، عملية بتر للساق اليسرى للطفلة جنة، وأكد تقرير الحالة الطبية للفتاة بالمستشفى، أن الطفلة “جنة” وصلت محولة من مستشفى شربين المركزي، مصابة باعتداء من آخرين وبالكشف الطبى الظاهرى تبين وجود غرغرينا بالأعضاء التناسلية الخارجية واشتباه جلطة بالطرف السفلي الأيسر.
كما يوجد آثار سحجات واعتداء بالظهر والبطن والحالة العامة دون المتوسطة، والمريضة محجوزة بالمستشفى قسم عناية الأطفال من يوم السبت المرافق 21/9/2019، والأربعاء الموافق 25/9/2019 تم بتر جزء من الطرف السفلي الأيسر والجزء المبتور بثلاجة المستشفى وتم إبلاغ الأهل والنيابة”.
نجدة الطفل: “جنة” في مسؤولية جمعية رسالة بالمنصورة.. ونتابع التحقيقات
وبالتواصل مع صبري عثمان، مدير خط نجدة الطفل التابع للمجلس القومي للطفولة والأمومة، أكد تلقيه بلاغا بشأن واقعة الطفلة جنة التي جرى تحويلها إلى مستشفى المنصورة الدولي، حيث تولت جمعية رسالة بالمنصورة حماية الطفلة والمسؤولية عنها.
وأكد “عثمان” أن الجدة بالفعل ألقي القبض عليها، وتتولى النيابة التحقيقات في الواقعة، وفي انتظار تقرير الطب الشرعي لبيان ما بها من إصابات وأسبابها.
محامي الطفلة جنة: تعرضت للتعذيب لفترة طويلة على يد الجدة
من جانبه، قال أشرف عبدالوهاب محامي الطفلة، في تصريحات صحفية، إنّ جنة تعرضت للتعذيب لفترة طويلة على يد الجدة للأم، وعرضت الطفلة على الطبيب الشرعي، وأضاف: “ننتظر التقرير النهائي عن الحالة العامة للطفلة وأسباب حدوث تلك الإصابات”.
شقيق جدة الطفلة جنة: “أختي معذبتهاش.. اتحرقت لما وقع عليها زيت مغلي”
يقول فتحي عبدالوهاب، شقيق الجدة، إنّ الطفلة تعرضت لحروق قبل 10 أيام وهي تلهو مع شقيقتها أماني في منزل الجدة: “أختي بقت مسؤولة عن رعاية أسرة جديدة غير أسرتها، الحال ضيّق، وبنتها رجعت بعد ما اطلقت من جوزها، ضربها وجالها انفصال في الشبكية وفقدت النظر، وبقالهم سنتين مبيجيلهاش نفقة”.
“أماني وجنة لعبوا مع بعض وكانوا بيزقوا بعض، وجنة وقعت في طاسة الزيت لأن البوتاجاز عندهم حديد على الأرض”، قال فتحي لـ”الوطن”، متابعا: “الزيت المغلي وقع على جنة، وانتشر في أماكن كتير في جسمها، وبسبب ضيق الحال جدتها خدتها لصيدلية وجابت أدوية، مكانش معاها فلوس تروح تكشف، والجروح بعد 10 أيام بدأت تخف وتعمل قشرة”.
وأرجع فتحي أسباب الاتهامات الموجهة لشقيقته، بسبب الخلافات العائلية التي بدأت على خلفية الطلاق، موضحا أنّ هناك من نقل أخبارا كثيرة غير صحيحة، كما أنّ عائلة الأب التي حركت الاتهامات تجمعوا أمام المستشفى ما منع الأم من للاطمئنان على ابنتها: “بتفكر تلبس نقاب وتروح عشان محدش يتعرف عليها، بنت أختي نارها نارين.. لا عارفة تطمن على أمها ولا على بنتها”.
النيابة: حبس الجدة 15 يوما على ذمة التحقيقات
وبعد قرار قاضى المعارضات بإخلاء سبيل الجدة لحين ورود تقرير الطبيب الشرعي، لكن النيابة العامة استأنفت القرار وقررت المحكمة تجديد حبس الجدة 15 يوما على ذمة التحقيقات.
شائعة الوفاة
مصدر طبي ينفي وفاة الطفلة جنة ضحية تعذيب جدتها بالدقهلية نفى مصدر طبي بمستشفى المنصورة الدولي، ما تردد عن وفاة الطفلة “جنة”، وقال إن الطفلة بعد بتر ساقها اليسرى بسبب الغرغرينا وتسمم الدم، تم احتجازها بقسم الرعاية المركزة تحت إشراف طبي.
وأكد المصدر أنها تتلقى كل الرعاية داخل المستشفى ويتابع الدكتور سعد مكي، وكيل وزارة الصحة بالدقهلية حالتها باستمرار ووجه بتوفير كل أوجه الرعاية الطبية لها، وتم وضعها على جهاز التنفس.
أسرة والد جنة تتهم خال الطفلة باغتصابها
أماني سمير، عمة الطفلة جنة البالغة من العمر 4 أعوام و4 أشهر، أكدت أن ذلك التعذيب تم على يد الجدة للأم، بتواطؤ من والدتها وجدها، فضلا عن اغتصاب خالها أيضا، قائلة: “البنت قالت لأبيها: “خالي كان بيكتفني وبيعمل فيا كذا وكذا اللي هو يغتصبها يعني، وجدها وأمها كانوا بيسيبوه ومداريين عليه”.
لم تتوقف المأساة الكبيرة للطفلة الصغيرة عند ذلك الحد، وإنما وصل إلى حرق الجدة للطفلة بآلة حادة بعد تسخينها في مناطق متفرقة بالجسم، من البطن والظهر والساق، حتى الأعضاء التناسلية، ما تسبب للطفلة بمشكلات ضخمة في التبول وصلت إلى إصابتها بالفشل الكلوي، على حد قول عمتها.
جد جنة لوالدها: جدتها منعتنا من رؤيتها.. وضربوني لما حاولت
“منعونا عن العيال خالص ولما حاولنا نروحلهم جاتلي الغيط وفضلت تتخانق معايا هي وواحد تاني، ونزلوا على دراعي ضرب لما كسروه وعملنا محضر بكده”.. مأساة أخرى يرويها الجد السبعيني الذي أصيب بصدمة عنيفة، نتيجة ما تعرضت له حفيدته الصغرى، كونه أول من تلقى الخبر باتصال من مستشفى شربين المركزي، ليهرول مع والد جنة وعمتها إليها ويكتشفوا هول المأساة التي تعرضت لها، مرددا بألم شديد: “منهم لله، حسبي الله ونعم الوكيل فيهم.. إحنا هنموت مقهورين علشانها”.
أماني: البنت قالت لنا أن خالها كان بيكتفها.. وأمها بتضربها وجدتها بتحرقها
في 10 أكتوبر 2018، حصلت الأم على حق حضانة الأطفال، رغم رفض الجدة الشديد لذلك “قالت لها أنا موديالي واحدة راجعة لي 3 جتت”، وفقا للعمة، مضيفة أنه منذ ذلك الحين انقطعت علاقتهم بالفتاتين تماما لمنعهم من زيارتهما أو معرفة أخبارهما، رغم محاولاتهم المتعددة، ليفاجأوا السبت الماضي باتصال مستشفى شربين المركزي يخبرهم بوجود الطفلة لديهم وطلب سرعة حضورهم.
“الجيران يشهدوا بالبهدلة اللي البنات اتعرضولهم، جدتهم كانت بتعاملهم أسوأ معاملة، وبترملهم الأكل في البلكونة زي الكلاب ومش بتعبرهم، وبقالها 10 أيام قافلة عليهم بعد ما حرقت جنة”.. دموع غزيرة انهمرت من العمة وهي تسرد تفاصيل التعذيب التي نقلتها لهم جنة وأماني وأكدها الجيران، بينما تتساءل عن قدرة الأم على الصمت تجاه ويلات ما تتعرض له بناتها، لتقسو بدورها أيضا وتنهال ضربا على ساق طفلتها الصغرى بالعصا الخشبية ما تسبب في تغيير لونها، لتنقلها الجدة إلى أحد الأطباء بالمركز الذي يخبرها بضرورة نقلها سريعا إلى المستشفى العام، وهناك انكشفت الواقعة.
وادعت الأم أن ما تعرضت له نجلتها هو نتيجة تعذيب زوجة أبيها لها، رغم أن والدها غير متزوج، وبحسب عمة جنة: “قلبنا انفطر على البنت لما شوفناها وفضلت تحكلنا اللي حصل وقالت لأبوها ألحقني بأي أكل هموت من الجوع وجري جابلها فراخ ولحمة، البنت أكلتهم زي اللي في مجاعة”، قبل أن تكشف لهم حقيقة الأمر وجرى بتر ساقها، بينما سارع الأب بإجراء أوراق التأمين الصحي للطفلة.
والد الطفلة جنة: جدتها كانت تعذبها أمام أمها وحبسوها 10 أيام بحروقها
قال محمد سمير حافظ، والد الطفلة جنة: “بنتي اتحبست 10 أيام بجروحها وحروقها في بيت جدتها لأمها، لحد ما رائحة الجروح ظهرت في المكان”، مضيفًا: “أم جنة كانت واقفة تتفرج وجدتها بتحرق في جسمها، وجنة قالت لي علي كل حاجة حصلت لها، وأن جدتها بتعذبها بالكي بالشقرف، وخالها رضا ماسكها ومامتها واقفة تتفرج، وبنتي الأخرى أماني عمرها 6 سنوات كانت تبكي مش قادرة تساعد أختها، والست دي محدش قادرعليها خالص”.
وأكمل الأب الكفيف وهو يبكي في حديثه لـ “الوطن” أن ابنته أماني ما زالت معاهم في بيت جدتها لأمها، ويضربوها لكي تشهد أن أختها الصغيرة جنة، 5 سنوات، هي من وقعت على زيت مغلي حتى تنجو الجدة من العقاب، ومن يريد أن يساعدني يأخذ بنتي منهم، حرام تفضل معهم بعد تعذيبها على يد جدتها وأمام أمها.
مصير عقوبة الجناة بحق الطفلة جنة في الدقهلية.. السجن المشدد أو الإعدام
الدكتور هاني هلال، أمين الائتلاف المصري لحقوق الطفل، أكد أن تقرير الطب الشرعي هو الفيصل في تلك الادعاءات المتبادلة بين الطرفين لوجود نزاع أسري بينهم، موضحا أنه طبقا لتعديلات قانون الطفل عام 2018 توجد عقوبات غليظة لهذه الواقعة.
وقال هلال لـ”الوطن”، إنه في حالة ثبوت أن الخال كان يغتصب الطفلة وتعذبها جدتها لإخفاء ذلك، فهم يندرجون تحت بند القائمين على رعاية الطفل أي أولياء أمور، وهو ما يغلظ العقوبة عليهم، ويوجه لهم تهم الاستغلال الجنسي والذي يكون الحد الأٌدنى لها هو الحبس لمدة 10 أعوام، على أن تكون المدة مفتوحة وفقا لرؤية القاضي.
وتابع أنه فيما يخص التعذيب الذي أدى إلى عاهة مستديمة للطفلة، فيستعين القاضي بقانون العقوبات كونها تعد جناية بتلك الحالة، والتي تصل عقوبتها إلى الحبس لمدة 15 عاما.
وقال الدكتور نبيل سالم، أستاذ القانون الجنائي، إنه في حال ثبوت تعذيب الجدة للحفيدة، بالضرب فتكون تلك جنحة، والتي تصل عقوبتها للحبس حتى 4 أعوام، وفيما يخص تسببها لعاهة مستديمة لبتر الساق والكي بالمناطق الحساسة، تتضاعف لتصبح جناية تصل عقوبتها للسجن المشدد حتى 15 عاما، وفقا لرؤية القاضي.
وأضاف: فيما يخص صحة اغتصاب الخال للطفلة، فإن عقوبتها تكون الحد الأدنى لها السجن 15 عاما، وتصل إلى الإعدام بعد تغليظها وفقا للقانون رقم 11 لسنة 2011، مشيرا إلى أن المادة 267، تنص على أن: “من واقع أنثى بغير رضاها يُعاقَب بالإعدام أو السجن المؤبد، ويُعاقَب الفاعل بالإعدام إذا كانت المجني عليها لم يبلغ سنها ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة أو كان الفاعل من أصول المجني عليها أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادمًا بالأجر عندها أو عند من تقدم ذكرهم، أو تعدد الفاعلون للجريمة”.
وتابع: “يوجد قصور تشريعي في توفير الحماية الجنائية للأطفال اللذين يحتاجون على العكس إلى تشديد العقوبات في الجرائم العادية المختلفة من القتل العمد لجرائم الضرب وهتك العرض وغيرها من الجرائم التي تقع على الحياء أو العرض أو الشرف والاعتبار”، مناديا بسرعة التدخل لمراجعة مواد قانون العقوبات واعتبار أن المجني عليه طفل دون الثمانية عشر من عمره وتشديد هذه العقوبات على مختلف درجاتها.
العاملون بمستشفى المنصورة يروون لـ”الوطن” كواليس استقبال الطفلة جنة
وتحكي موظفة لـ”الوطن” بعد أن طلبت عدم ذكر اسمها أنها وزميلاتها في حالة صدمة مما حدث، فالطفلة يتضح من فحصها أن شخصا قام ببتر جزء كبير من الجهاز التناسلي الخارجي لها، وأن آثار التعذيب قديمة وتعود إلى ما لا يقل عن 10 أيام، بالإضافة إلى حالة نفسية سيئة جدا، جعلت كل العاملين بالمشتفى يدعون لها بالشفاء “إحنا بنبكي من قلوبنا علشانها.. دي قضية رأي عام”.
وروت إحدى العاملات بالمستشفى بعد أن طلبت هي الأخرى عدم ذكر اسمها، أن الطفلة جاءت محولة من مستشفى شربين وقد كُتب على تذكرتها “اشتباه في اعتداء عمدي من الأهل”، وقبل أن تصاب بغيبوبات متقطعة قالت “جدتي اللي عملت فيا كدة.. وخالي اللي وداني مستشفى شربين”، مضيفة أن العمة والعم هما من يقضيان معها الوقت منذ احتجازها.
وفاة الطفلة جنة ضحية التعذيب.. والصحة: بسبب توقف عضلة القلب
واليوم، أعلن أحد أقارب الطفلة جنة محمد سمير، ضحية التعذيب في الدقهلية، عن وفاة الطفلة بعد تعرضها للتعذيب والاغتصاب، قبل نقلها إلى مستشفى المنصورة الدولي، إثر إصابتها بكدمات وحروق متفرقة بمناطق متفرقة بالجسد، ما تسبب في بتر ساقها.
وقال أحد أفراد عائلة الطفلة، رفض ذكر اسمه، لـ”الوطن”، إن الطفلة توفت قبل قليل، وهي الآن داخل مشرحة المستشفى، في انتظار الانتهاء من الأوراق وتصاريح الدفن.
وأضاف: “الأجواء داخل المستشفى يخيم عليها الحزن والصدمة، خاصة بعد وصول شقيقتها الكبرى (أماني)، 7 أعوام، مصابة بحروق وجروح وكدمات مثل جنة”.
وتابع: “حسبي الله ونعم الوكيل في اللي كان السبب.. البنات اتدمرت وأبوهم لا حول له ولا قوة”.
ومن جانبه، قال الدكتور سعد مكي وكيل وزارة الصحة بالدقهلية، في تصريحات صحفية، اليوم، إن سبب الوفاة توقف عضلة القلب متأثرة بإصاباتها داخل العناية المركزة بمستشفى المنصورة الدولي “العام الجديد”، وجرى نقل جثتها إلى المشرحة تحت تصرف النيابة.